هل الفقه الاسلامي قديم لا يلبي حاجات العصر؟؟ ـ2ـ

ملاحظة: قسمت البحث على شكل اجزاء ابتعاداً عن ملل القارئ عند الاطالة



. . . ـــ 2 ـــ . . .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسوله واله الميامين وسلمنا تسليما كثيرا

قلنا في الجزء الاول من البحث ان اي تغيير في الاحكام ممكن؛ بشرط ان لا يمس الاصلين: اصل اختصاص التشريع بالله تعالى، واصل الحلية والحرمة التوقيفية من عهد النبي صلوات الله عليه واله وسلم والى الابد.

وهناك كلمةٌ للسيد روحِ الله الخميني قدس سره الشريف يقول فيها: إنّي على اعتقادٍ بالفقهِ الدارجِ بين فقهائِنا وبالاجتهادِ على النهجِ الجواهري، وهذا أمرٌ لابدّ منه، ولا يعني ذلك انّ الفقهَ الإسلاميَ لا يواكبُ حاجاتِ العصرِ، بل انّ لعنصري الزمان والمكان تأثيراً في الاجتهاد، فقد يكون لواقعةٍ حكمٌ لكنّها تتخذُ حكماً آخراً على ضوء الأُصول الحاكمة على المجتمع وسياسته واقتصاده.صحيفة (صحيفة النور، العدد21/ص98)

والقول بان للزمان والمكان تاثيراً على استنباط الاحكام الشرعية مما اتفقت عليها كلمة المذاهب الاسلامية الاخرى، يقول الأُستاذ مصطفى أحمد الزرقاء ـ وهو من مؤلفي الفقه السني: (وقد اتّفقت كلمة فقهاء المذاهب على أنّ الأحكام التي تتبدّل بتبدّل الزمان وأخلاق الناس، هي الأحكام الاجتهادية من قياسيةٍ ومصلحيةٍ أي التي قررها الاجتهاد بناءً على القياس أو على دواعي المصلحة وهي المقصودة من القاعدة المقررة «تغييرُ الأحكامِ بتغيّرِ الزمان». أمّا الأحكامُ الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصليةِ الآمرة، الناهية كحرمةِ المحرّمات المطلقة-الى ان يقول-فهذه لا تتبدّل بتبدل الأزمان، بل هي الأُصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها قد تتبدّل باختلاف الأزمنة المحدثة) . (كتاب المدخلِ الفقهي العام:ج2/ص924ـ925).

وبهذا يتبين وهنُ ما اُشكل به علينا بجمود فقهنا الاسلامي وعدم تلبية المطالب العصرية الزمانية والمكانية، واما الامثلة التي يطرحوها فكلها تحمل بين طياتها مغالطةً واتهاماً لنا،واما حرمة بيعِ الدم فلا خلاف في حرمة بيعهِ بملاكِ عدمِ وجودِ منفعةٍ محلّلةٍ فيه، ولم يزل حكم الدمِ كذلك حتى اكتشفَ العلم له منفعةً محلّلة تقوم عليها رحى الحياة، وأصبح التبرع بالدم إلى المرضى كإهداء الحياةِ لهم، وبذلك حاز الدم على ملاك آخر ومن هنا قيل بحلية بيعه وشراءهِ ولذا قال السيدُ الخميني قدس سره الشريف: (لم تكن في تلك الأعصارِ للدمِ منفعةٌ غيرَ الأكلِ، فالتحريمُ منصرفٌ إليه).

وقال الفقهاء: كما انّ قطع أعضاء الميت أمر محرّم في الإسلام، قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (إيّاكم والمُثلةِ ولو بالكلب العقور) ومن الواضح انّ ملاكَ التحريمِ هو قطعُ الأعضاءِ لغايةِ الانتقامِ والتشفّي، ولم يكن يومذاك أيُّ فائدةٍ تترتّبُ على قطعِ أعضاءِ الميتِ سوى تلبيةِ الرغبةِ النفسيةِ-اي الانتقام-ولكن اليوم ظهرت فوائدٌ جمّة من وراء قطعِ أعضاءِ الميت، حيث صارت عمليةُ زرعِ الأعضاءِ أمراً ضرورياً يُستفاد منها لنجاةِ حياة المشرفين على الموت.
ومنه نعرف جواز التشريح للاستفادة العلمية بشرط انحصارِ الامر بجُثة المسلمِ، وانحصارِ الاكتشاف العلمي بتشريح جُثةِ الانسان، اما اذا كان بالامكان ان يلجأ المختصون الى الحيوانات التي لها ما للانسانِ من تركيب فايسلوجي فيتعين عندئذ ذلك لقداسةِ الانسان حيا كان او ميتا في نظر الاسلام العادل العظيم.

وسنتكلم في الحلقة القادمة عن مزيد من المناقشات والتطبيقات لاثبات المطلوب ونفي الاتهام عن فقهنا الحصيف


والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اخوكم وخادمكم
الشيخ محمد البهادلي