هلال شهر رمضان . . سبيل وحدة ام تمزق . . ام مجرد تنوع في فهم الادلة؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسوله وآله الميامين وسلم تسليما كثيراً

في كل سنة وفي ايام اقتراب شهر رمضان، يبدأ الناس بالكلام عن وحدة رأي الفقهاء في تحديد اول شهر رمضان، بل وللأسف يتحول الكلام والنقاش الى فتنة على مستوى الفرد المسلم مع اخيه المسلم، وعلى مستوى الفرد الشيعي مع اخيه الشيعي، ولهذا احببت طرح هذا الموضع قبل حلول الشهر الكريم لنعالج ما يمكن علاجه من خلال بيان الفكرة العامة لسبب الاختلاف الزمني لتحديد اول ايام شهر الصيام.


فخيرنا من يدفع الفتنة بالدليل العلمي المسنود، فان عرفنا السبب بطل العجب وزالت الفتن ومُحقت الفرقة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في محكم كتابه الشريف:{يَسْألونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ -البقرة / 189}، والأهلة جمع هلال، والهلال هم اسم القمر في اوله واخره، ولاريب ان من نعم الله -التي لا تعد ولا تحصى- القمر وما يمر به من مراحل ومنازل، وقد سَئل المسلمون عن الحكمة الالهية في تغير الهلال على منازل حتى يكون قمرا بدرا ومن ثم الى هلال من جديد؟ فكان الجواب الرباني: ان في ذلك ارشادا للناس ليستدلوا على مواقيتهم ومواعيدهم ويرتبوا احوالهم وتجارتهم ويعرفوا اوقات عبادتهم وحجهم وصومهم وغير ذلك كثير.

والصوم الواجب المعهود غير النذر والقضاء ونحوهما عبادةٌ واجبة تندرج تحت عنوان الواجبات المؤقتة المحددة بوقت معين وهو شهر رمضان المبارك؛ الشهر التاسع من اشهر السنة الهجرية القمرية، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ-البقرة\185}.

فالصيام لايكون واجبا الا بدخول الشهر المبارك ومن هنا يعتبر من الواجبات المعلقة او الواجبات المشروطة بدخول ميعاده واوانه، وايضا فان الصعود الى عرفة لحجاج بيت الله الحرام وهو اليوم الذي يسبق العيد بيوم مشروط بكونه اليوم التاسع من شهر ذي الحجة المبارك، واكثر اعمال الحجاج مقترنة بالوقت والايام المحدد، ومن هنا طُرح السؤال التالي على فقهائنا الاعلام: كيف يثبت الهلال، بمعنى كيف نستدل على دخول الشهر المبارك؟ وكيف نستدل على يوم عرفة وعيد الاضحى المبارك؟

طرق تحديد الهلال

فقال الفقهاء: قال تعالى: { يَسْألونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ -البقرة / 189} ومن كلمة (الناس) في الاية المباركة استنبط الفقهاء ان رؤية الهلال متيسرة لعموم الناس بحسب الاصل ولاداعي للتكلف والعنوة، كما انها اعني كلمة (الناس) تدل على خصوص الرؤية البصرية لانها مما يشترك فيها جميع الناس وعضدوا استدلالهم هذا بعدد من الاخبار منها ما روي عـن كتاب علي - عليه السلام: (صم لرؤيته وافطر لرؤيتـه) وروي عن الامام الصادق عليه السلام وقـد سئل عن الأهلة (في الاية الكريم ) فقال عليه السلام :هي أهلة الشهــور ، فإذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فأفطر، وهذا حكم عام لكل شهور السنة الهجرية بان يحدد اولها عن هذا الطريق، ومنا هنا كان المشهور الفقهي على الرؤية البصرية بالعين المجردة وعدم حجية الاعتماد على الحسابات الفلكية او الرؤية بالالات الحديثة او كما يقال فقهيا عدم حجية العين المسلحة.

الا ان بعض الفقهاء قال ان المهم في تحديد الشهر هو بيان الهلال بمعنى وجوده وولادته الواقعية الدالة على الشهر الجديد بغض النظر عن طرق الاستبانة سواء في ذلك الرؤية بالعين المجردة ام بالاستعانة بالاجهزة الحديثة ام استبانته من خلال الحسابات الفلكية التي يطمئن لها، وعلى هذا فانه يفسر الرؤية (اذا رأيته) في الروايات السابقة بانها من باب المسلكية والطريقية للوصول الى الحكم الشرعي خصوصا وان الرؤية العينية هي المتاحة آنذاك، وبمعنى اخر:

ان الرؤية بالعين ليست من صلب الحكم ومن صميم ماهيته وانما من الدلائل الى الحكم والمرشدات لتحديده، ومن هنا لو كان هناك ثمة طريق آخر للوصل الى الحكم فلا بأس باعتماده مادام انه لايمس جوهر الحكم. ونضرب مثلا لبيان هذا الرأي:

لو قال السيد لعبده امشي الى السوق وأتني باللحم، الا ان العبد لم يذهب مشيا وانما ذهب بالسيارة او ممتطيا دابته ولكنه في النهاية احضر اللحم، فلا يصح من السيد معاقبة العبد على اساس انه لم يمشي، وذلك لان غرض السيد والمولى غير متعلق بالمشي او ركوب الدابة وانما في احضار اللحم باي طريقة تم الاحضار لا يهم، وما قوله لعبده امشي الا من باب المثال لا الحصر، وكذلك في المقام، فان هذا القسم من الفقهاء يقولون ان الغرض الالهي غير متعلق بطريقة اكتشاف الهلال الذي يكون سببا بتعلق الصيام وجوبا برقاب الناس، وغير متعلق بطريقة اكتشاف الهلال الذي يكون سببا لتعلق احكام الحج على قاصدي بيت الله الحرام، وقول الله وقول المعصومين بالرؤية البصرية من باب المثال او انه الطريق الوحيد المتاح انذاك، وهو عينه المشي او ركوب السيارة او امتطاء الدابة لان المهم جلب اللحم، وهنا المهم انجاز العبادة من صيام وحج، وهذا معنى قولهم ان الرؤية البصرية ليست من صلب الموضوع ومن صميم حقيقته وانما من المرشدات والطرق ليس الا.

وبعد ذاك القول المشهور وهذا القول الاخر لايبقى للمكلف الا ان ننصحه بكلمتين:

الاولى: ان يتبع فتوى مرجعه الذي قلده عن بينة وحجة تكون ملاذه في يوم القيامة عند السؤال.

الثانية: ان يلزم نفسه باحترام الاراء الفقهية الاخرى لانها بلا ادنى شك قول فقيه عارف بمدارك الاحكام متبع لها.

وبعد هذا البيان اليسير الذي يتلائم والمقام، فلا يبقى عندنا ادنى شك بان الخلاف بين الفقهاء في تحديد الاشهر الهجرية وخصوصا ما يتعلق بايام عيد الفطر المبارك وعيد الاضحى المبارك ليس خلافا عن امراض نفسية او حسد او ضغينة بين العلماء ادامهم الله كما يتصور البعض، فالخلاف لا يتعدى كونه خلافا مبنائيا كما يقول الفقهاء، اي في مباني الحكم ومستنداته، ولا يسوغ عندئذ اي تهجم على اي عالم اذا اختلف مع المرجع الذي نقلد في تحديد اول ايام العيد، لانه كما قلنا انما هو خلاف في كيفية تفسير الادلة ليس الا

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اخوكم وخادمكم
الشيخ محمد البهادلي